فصل: سبب إسلام جبار بن سلمى

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» **


 حديث بئر معونة في صفر سنة أربع

 بعث بئر معونة

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بقية شوال وذا القعدة وذا الحجة - وولي تلك الحجة المشركون والمحرم - ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحاب بئر معونة في صفر ، على رأس أربعة أشهر من أحد ‏‏.‏‏

 سبب إرسال بعث معونة

وكان من حديثهم ، كما حدثني أبي إسحاق بن يسار عن المغيرة بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام ، وعبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيره من أهل العلم ، قالوا ‏‏:‏‏ قدم أبو براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ، ودعاه إليه فلم يسلم ولم يبعد من الإسلام ، وقال ‏‏:‏‏ يا محمد لو بعثت رجالا من أصحابك إلى أهل نجد ؛ فدعوهم إلى أمرك ، رجوت أن يستجيبوا لك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ إني أخشى عليهم أهل نجد ، قال أبو براء ‏‏:‏‏ أنا لهم جار ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك ‏‏.‏‏

 من رجال البعث

فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو ، أخا بني ساعدة ، المعنق ليموت في أربعين رجلا من أصحابه ، من خيار المسلمين ، منهم الحارث بن الصمة ، وحرام بن ملحان أخو بني عدي بن النجار ، وعروة بن أسماء بن الصلت السلمي ، ونافع ابن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وعامر بن فهيرة ؛ مولى أبي بكر الصديق ، في رجال مسمَّين من خيار المسلمين ‏‏.‏‏ فساروا حتى نزلوا ببئر معونة ،وهي بين أرض بني عامر وحرة بني سليم ، كلا البلدين منها قريب ، وهي إلى حرة بني سليم أقرب ‏‏.‏‏

 غدر عامر بالبعث

فلما نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عدو الله عامر بن الطفيل ؛ فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله ، ثم استصرخ عليهم بني عامر ، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه ، وقالوا ‏‏:‏‏ لن نخفر أبا براء ، وقد عقد لهم عقدا وجوارا ، فاستصرخ عليهم قبائل من بني سليم من عصية ورعل وذكوان ، فأجابوه إلى ذلك ، فخرجوا حتى غشوا القوم ، فأحاطوا بهم في رحالهم ، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم ، ثم قاتلوهم حتى قتلوا من عند أخرهم ، يرحمهم الله ، إلا كعب بن زيد ، أخا بني دينار بن النجار ، فإنهم تركوه وبه رمق الموت ، فارتث من بين القتلى ، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا ، رحمه الله ‏‏.‏‏

 ابن أمية و المنذر و موقفهما من القوم بعد علمهما بمقتل أصحابهما

وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضمري ، ورجل من الأنصار ، أحد بني عمرو بن عوف ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر ، فقالا ‏‏:‏‏ والله إن لهذه الطير لشأنا ‏‏:‏‏ فأقبلا لينظرا ، فإذا القوم في دمائهم ، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة ‏‏.‏‏ فقال الأنصاري ‏‏:‏‏ لعمرو بن أمية ‏‏:‏‏ ما ترى ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ أرى أن نلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره الخبر ، فقال الأنصاري ‏‏:‏‏ لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو ، وماكنت لتخبرني عنه الرجال ؛ ثم قاتل القوم حتى قتل ، وأخذوا عمرو بن أمية أسيرا ، فلما أخبرهم أنه من مضر ، أطلقه عامر بن الطفيل ، وجز ناصيته ، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه ‏‏.‏‏

 ثأر عمرو بن أمية من العامريين

فخرج عمرو بن أمية ، حتى إذا كان بالقرقرة من صدر قناة ، أقبل رجلان من بني عامر ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ ثم من بني كلاب ، وذكر أبو عمرو المدني ، أنهما من بني سليم ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ حتى نزلا معه في ظل هو فيه ‏‏.‏‏ وكان مع العامريين عقد من رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوار ،لم يعلم به عمرو بن أمية ،وقد سألهم حين نزلا ،ممن انتما ‏‏؟‏‏ فقالا ‏‏:‏‏ من بني عامر فأمهلهما ، حتى إذا ناما ، عدا عليهما فقتلهما ، وهو يرى أنه قد أصاب بهما ثؤرة من بني عامر ، فيما أصابوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما قدم عمرو بن أمية على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره الخبر ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ لقد قتلت قتيلين لأدينهما ‏‏.‏‏‏

 حزن الرسول من عمل أبي براء

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ هذا عمل أبي براء ، قد كنت لهذا كارها متخوفا ، فبلغ أبا براء ، فشق عليه إخفار عامر إياه ، وما أصاب أصحاب رسول الله صلى الله عله وسلم بسببه وجواره ؛ وكان فيمن أصيب عامر أبن فهيرة ‏‏.‏‏

 أمر ابن فهيرة بعد مقتله

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني هشام بن عروة عن أبيه أن عمر ابن الطفيل كان يقول من رجل منهم لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء من دونه قالوا هو عامر بن فهيرة ‏‏"‏‏

 سبب إسلام جبار بن سلمى

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقد حدثني بعض بني جبار بن سلمى بن مالك بن جعفر ، قال ‏‏:‏‏ وكان جبار فيمن حضرها يومئذ مع عامر ، ثم أسلم قال ‏‏:‏‏ فكان يقول ‏‏:‏‏ إن مما دعاني إلى الإسلام أني طعنت رجلاً منهم يومئذ بالرمح بين كتفيه ، فنظرت إلى سنان الرمح حين خرج من صدره فسمعته يقول ‏‏:‏‏ فزت والله فقلت في نفسي ‏‏:‏‏ ما فاز ألست قد قتلت الرجل ‏‏؟‏‏ قال ‏‏:‏‏ حتى سألت بعد ذلك عن قوله ، فقالوا ‏‏:‏‏ للشهادة ؛ فقلت ‏‏:‏‏ فاز لعمر الله ‏‏.‏‏

 شعر حسَّان في تحريض بني براء على عامر بن الطفيل

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال حسَّان بن ثابت يحرض بني براء على عامر ابن الطفيل ‏‏:‏‏

بني أم البنين ألم يرعكم * وأنتم من ذوائب أهل نجد

تهكم عامر بأبي براء * ليخفره وما خطأ كعمد ‏‏"‏‏

ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي * فما أحدثت في الحدثان بعدي

أبوك أبو الحروب أبو براء * وخالك ماجد حكم بن سعد

نسب حكم و أم البنين

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ حكم بن سعد من القين بن جسر ؛ وأم البنين بنت عمرو بن ربيعة بن عامر بن صعصة ، وهي أم أبي براء ‏‏.‏‏

 طعن ربيعة عامر

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحمل ربيعة بن عامر بن مالك على عامر بن الطفيل ، فطعنه بالرمح فوقع في فخذه ، فأشواه ووقع عن فرسه ، فقال ‏‏:‏‏ هذا عمل أبي براء ، إن أمت فدمي لعمي ، فلا يتبعن به ، وإن أعش فسأرى رأيي فيما أتى إلي ‏‏.‏‏

وقال أنس بن عباس السلمي ‏‏:‏‏ وكان خال طعيمة بن عدي بن نوفل ، وقتل يومئذ نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي‏‏:‏‏

تركت ابن ورقاء الخزاعي ثاويا * بمعترك تسفي عليه الأعاصر

ذكرت أبا الريان لما رأيته * وأيقنت أني عند ذلك ثائر

وأبو الريان ‏‏:‏‏ طعيمة بن عدي

 عبدالله بن رواحة يرثي نافع بن بديل

وقال عبدالله بن رواحة يبكي نافع بن بديل بن ورقاء ‏‏:‏‏

رحم الله نافع بن بديل * رحمه المبتغي ثواب الجهاد

صابر صادق وفيّ إذا ما * أكثر القوم قال قول السداد ‏‏.‏‏

 رثاء حسَّان قتلى بئر معونة

وقال حسَّان بن ثابت يبكي قتلى بئر معونة ويخص المنذر بن عمرو ‏‏:‏‏

على قتلي معونة فاستهلي * بدمع العين سحا غير نزر

على خيل الرسول غداة لاقوا * مناياهم ولاقتهم بقدر

أصابهم الفناء بعقد قوم * تخون عقد حبلهم بغدر

فيا لهفي لمنذر أذ تولى * وأعنق في منيته بصبر

وكائن قد أصيب غداة ذاكم* من أبيض ماجد من سر عمرو

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أنشدني آخرها بيتاً أبو زيد الأنصاري ‏‏.‏‏

 شعر كعب بن مالك في يوم بئر معونة

وأنشدني لكعب بن مالك في يوم بئر معونة يعِّير بني جعفر بن كلاب ‏‏:‏‏

تركتم جاركم لبني سليم * مخافة حربهم عجزا وهونا

فلوا حبلاً تناول من عقيل * لمد بحبلها حبلا متينا

أو القرطاء ما إن أسلموه * وقدما ما وفوا إذا لا تفونا ‏‏.‏‏

 نسب القرطاء

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ القرطاء قبيلة من هوازن ، فيروى ‏‏"‏‏من نفيل ‏‏"‏‏ مكان ‏‏"‏‏من عقيل ‏‏"‏‏ ، وهو الصحيح ؛ لأن القرطاء من نفيل قريب ‏‏.‏‏

 أمر إجلاء بني النضير في سنة أربع

 محاولتهم الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ، يستعينهم في دية ذينك القتيلين من بني عامر ، اللذين قتل عمرو بن أمية الضمري ، للجوار الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عقد لهما ، كما حدثني يزيد بن رومان ، وكان بين بني النضير وبين بني عامر عقد وحلف ‏‏.‏‏ فلما أتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية ذينك القتيلين ، قالوا ‏‏:‏‏ نعم ، يا أبا القاسم ، نعينك على ما أحببت ، مما استعنت بنا عليه ‏‏.‏‏ ثم خلا بعضهم ببعض ، فقالوا ‏‏:‏‏ إنكم ‏لن تجدوا الرجل على مثل حاله هذه - ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنب جدار من بيوتهم قاعد - فمن رجل يعلو على هذا البيت ، فيلقي عليه صخرة ، فيريحنا منه ‏‏؟‏‏ فانتدب لذلك عمرو بن جحاش بن كعب ، أحدهم ، فقال ‏‏:‏‏ أنا لذلك ، فصعد ليلقي عليه صخرة كما قال ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه ، فيهم أبو بكر وعمر وعلي ، رضوان الله عليهم ‏‏.‏‏

 علمه صلى الله عليه وسلم بغدرهم واستعداده لحربهم

فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر من السماء ؛ بما أراد القوم ، فقام وخرج راجعاً إلى المدينة ، فلما استلبث النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، قاموا في طلبه فلقوا رجلا مقبلا من المدينة ، فسألوه عنه ، فقال ‏‏:‏‏ رأيته داخلا المدينة ‏‏.‏‏ فأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى انتهوا إليه صلى الله عليه وسلم ، فأخبرهم الخبر بما كانت اليهود أرادت من الغدر به ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالتهيؤ لحربهم ، والسير إليهم ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ثم سار بالناس حتى نزل بهم ‏‏.‏‏

 تاريخ غزو بين النضير

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ وذلك في شهر ربيع الأول فحاصرهم ست ليال ونزل تحريم الخمر ‏‏.‏‏

 حصار الرسول لهم

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فتحصنوا منه في الحصون ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل والتحريق فيها ، فنادوه ‏‏:‏‏ أن يا محمد ، قد كنت تنهي عن الفساد ، وتعيبه على من صنعه ، فما بال قطع النخيل وتحريقها ‏‏؟‏‏ ‏

 الرهط الذي شجع بني النضير ثم طلبهم الصلح وهجرتهم

وقد كان رهط من بني عوف بن الخزرج ، منهم عدو الله عبدالله بن أبي سلول ووديعة ومالك بن أبي قوقل ، وسويد وداعس ، قد بعثوا إلى بني النضير ‏‏:‏‏ أن اثبتوا وتمنعوا ، فإنا لن نسلمكم ، إن قوتلتم قاتلنا معكم ، وإن أخرجتم خرجنا معكم ، فتربصوا ذلك من نصرهم ، فلم يفعلوا ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجليهم ويكف عن دمائهم ، على أَّن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الحلقة ‏‏.‏‏ ففعل ‏‏.‏‏ فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به الإبل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن نجاف بابه ،فيضعه على ظهر بعيره فينطلق به ، فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام ‏‏.‏‏

 من هاجر منهم إلى خيبر

فكان أشرافهم من سار منهم إلى خيبر ‏‏:‏‏ سلام من أبي الحقيق ، وكنانة بن أبي الحقيق ، وحيي بن أخطب ‏‏.‏‏ فلما نزلوها دان لهم أهلها ‏‏.‏‏

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ فحدثني عبدالله بن أبي بكر أنه حدث ‏‏:‏‏ أنهم استقلوا بالنساء والأموال ، معهم الدفوف والمزامير ، والقيان يعزفن خلفهم ، وإن فيهم لأم عمرو صاحبة عروة بن الورد العبسي ، التي ابتاعوا منه ، ‏وكانت إحدى نساء بني غفار ، بزهاء وفخر وما رئي مثله من حي من الناس في زمانهم ‏‏.‏‏

 الرسول يقسم أموال بني النضير بين المهاجرين

وخلوا الأموال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة ، يضعها حيث يشاء ، فيقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المهاجرين الأولين دون الأنصار ، إلا أن سهل ابن حنيف وأبا دجانة سماك بن خرشة ذكرا فقرا ، فأعطاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏.‏‏

 من أسلم من بني النضير

ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان يامين بن عمير ، أبو كعب بن عمرو بن جحاش ؛ وأبو سعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها ‏‏.‏‏

 تحريض يامين على قتل ابن جحاش

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ - وقد حدثني بعض آل يامين ‏‏:‏‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ليامين ‏‏:‏‏ ألم تر ما لقيت من ابن عمك ، وما هم به من شأني ‏‏؟‏‏ فجعل يامين بن عمير لرجل جعلا على أن يقتل له عمرو بن جحاش ، فقلته فيما يزعمون ‏‏.‏‏

 ما نزل في بني النضير من القرآن

ونزل في بني النضير سورة الحشر بأسرها ، يذكر فهيا ما أصابهم الله به من نقمته ، وما سلط عليهم به رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما عمل به فيهم ، فقال تعالى ‏‏"‏‏ هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم الرعب ، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين ‏‏"‏‏ ، وذلك لهدمهم بيوتهم عن نجف أبوابهم إذا احتملوها ‏‏.‏‏ ‏‏"‏‏ فاعتبروا يا أولي الأبصار ، ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء ‏‏"‏‏ وكان لهم من الله نقمة ، ‏‏"‏‏ لعذبهم في الدنيا ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ أي بالسيف ، ‏‏"‏‏ ولهم في الآخرة عذاب النار‏‏"‏‏ مع ذلك ‏‏.‏‏ ‏‏"‏‏ ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها ‏‏"‏‏‏‏.‏‏ واللينة ‏‏:‏‏ ما خالف العجوة من النخل ‏‏"‏‏ فبإذن الله ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ أي فبأمر الله قطعت ، لم يكن فسادا ، ولكن كان نقمة من الله ‏‏"‏‏ وليخزي الفاسقين ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ اللينة ‏‏:‏‏ من الألوان ، وهي ما لم تكن برنية ولا عجوة من النخل ، فيما حدثنا أبو عبيدة ‏‏.‏‏ قال ذو الرمة ‏‏:‏‏

كأن قتودي فوقها عش طائر * على لينة سوقاء تهفو جنوبها

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

‏‏"‏‏ وما أفاء الله على رسوله منهم ‏‏"‏‏ - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ يعني من بني النضير ‏‏"‏‏ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على كل شيء قدير ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ أي له خاصة ‏‏.‏‏

 تفسير ابن هشام لبعض الغريب

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ أوجفتم ‏‏:‏‏ حركتم وأتعبتم في السير ‏‏.‏‏ قال تميم بن أبي بن مقبل أحد بني عامر بن صعصعة ‏‏:‏‏

مذاويد بالبيض الحديث صقالها * عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا ‏‏.‏‏

وهذا البيت في قصيدة له ، وهو الوجيف ‏‏.‏‏ وقال أبو زيد الطائي ، واسمه حرملة بن المنذر ‏‏:‏‏

مسنفات كأنهن قنا الهند * لطول الوجيف جدب المرود

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ السناف ‏‏:‏‏ البطان ‏‏.‏‏ والوجيف ‏‏:‏‏ وجيف القلب والكبد ، وهو الضربان ‏‏.‏‏

قال قيس بن الخطيم الظفري ‏‏:‏‏

إنا وإن قدموا التي علموا * أكبادنا من ورائهم تجف

وهذا البيت في قصيدة له ‏‏.‏‏ ‏

‏‏"‏‏ ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فللّه وللرسول ‏‏"‏‏ - قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ ما يوجف عليه المسلمون بالخيل والركاب ، وفتح بالحرب عنوة فلِلّه وللرسول - ‏‏"‏‏ ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم ، وما آتاكم الرسول فخذوه ، وما نهاكم عنه فانتهوا ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏ يقول ‏‏:‏‏ هذا قسم آخر فيما أصيب بالحرب بين المسلمين ، على ما وضعه الله عليه ‏‏.‏‏

ثم قال تعالى ‏‏"‏‏ ألم تر إلى الذين نافقوا ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ يعني عبدالله بن أبي وأصحابه ، ومن كان على مثل أمرهم ، ‏‏"‏‏ يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ يعني بني النضير ، إلى قوله ‏‏"‏‏ كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ، ولهم عذاب أليم ‏‏"‏‏ ‏‏:‏‏ يعني بني قينقاع ‏‏.‏‏ ثم القصة إلى قوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني برىء منك ، إني أخاف الله رب العالمين ، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها ، وذلك جزاء الظالمين ‏‏"‏‏ ‏‏.‏‏

 ما قاله ابن لقيم العبسي من شعر في بني النضير

وكان مما قيل في بني النضير من الشعر قول ابن لقيم العبسي ، ويقال ‏‏:‏‏ قاله قيس بن بحر بن طريف ‏‏.‏‏ قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قيس بن بحر الأشجعي ، فقال ‏‏:‏‏

أهلي فداء لامرىء غير هالك * أحل اليهود بالحسي المزنم ‏

يقيلون في جمر الغضاة وبدلوا * أهيضب عودي بالودي المكمم

فإن يك ظني صادقا بمحمد * تروا خيله بين الصلا ويرمرم

يؤم بها عمرو بن بهثة إنهم * عدو وما حي صديق كمجرم

عليهن أبطال مساعير في الوغى * يهزون أطراف الوشيج المقوم

وكل رقيق الشفرتين مهند * توورثن من أزمان عاد وجرهم

فمن مبلغ عني قريشا رسالة * فهل بعدهم في المجد من متكرم

بأن أخاكم فاعلمن محمدا * تليد الندى بين الحجون وزمزم

فدينوا له بالحق تجسم أموركم * وتسموا من الدنيا إلى كل معظم

نبي تلاقته من الله رحمة * ولا تسألوه أمر غيب مرجم

فقد كان في بدر لعمري عبرة * لكم يا قريشا والقلب الملمم

غداة أتى في الخزرجية عامدا * إليكم مطيعا للعظيم المكرم

معانا بروح القدس ينكى عدوه * رسولا من الرحمن حقا بمعلم

رسولا من الرحمن يتلو كتابه * فلما أنار الحق لم يتلعثم

أرى أمره يزداد في كل موطن * علوا لأمر حمه الله محكم ‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ عمرو بن بهثة ، من غطفان ‏‏.‏‏ وقوله ‏‏:‏‏ ‏‏"‏‏ بالحسي المزنم ‏‏"‏‏ عن غير ابن إسحاق ‏‏.‏‏

 ما ينسب من الشعر لعلي في قصة بني النضير

قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ وقال علي بن أبي طالب ‏‏:‏‏ يذكر إجلاء بني النضير وقتل كعب بن الأشرف ‏‏.‏‏

قال ابن هشام ‏‏:‏‏ قالها رجل من المسلمين غير علي بن أبي طالب ، فيما ذكر لي بعض أهل العلم بالشعر ، ولم أر أحدا منهم يعرفها لعلي ‏‏:‏‏

عرفت ومن يعتدل يعرف * وأيقنت حقا ولم أصدف

عن الكلم المحكم اللاء من * لدى الله ذي الرأفة الأرأف

رسائل تدرس في المؤمنين * بهن أصطفى أحمد المصطفى

فأصبح أحمد فينا عزيزا * عزيز المقامة والموقف

فيأيها الموعدوه سفاها * ولم يأت جورا ولم يعنف

ألستم تخافون أدنى العذاب * وما آمن الله كالأخواف

وأن تصرعوا تحت أسيافه * كمصرع كعب أبي الأشرف

غداة رأى الله طغيانه * وأعرض كالجمل الأجنف

فأنزل جبريل في قتله * بوحي إلى عبده ملطف

فدس الرسول رسولا له * بأبيض ذي هبة مرهف

فباتت عيون له معولات * متى ينع كعب لها تذرف

وقلن لأحمد ذرنا قليلا * فإنا من النوح لم نشتف ‏

فخلاهم ثم قال اظعنوا * دحورا على رغم الآنف

وأجلى النضير إلى غربة * وكانوا بدار ذوي زخرف

إلى أذرعات ردافى وهم * على كل ذي دبر أعجف